Take a fresh look at your lifestyle.

من الذاكرة : كاميو برليي

0 333

تيفي24 – محمد خلاف

شاحنة بيرلي( berliet 6) المعروفة بألوانها الأصفر الفاقع والأحمر الساطع ،وكذا الأخضر الغامق ،تتميز بقوة مرعبة، وصوت محركها الخاص ،ساهم نوع بيرلي المسمى (لبان) في بناء عدد من المدن والتجمعات السكنية ذات البناء الحديث ، حملت على ظهرها أطنانا من الحجر والرمل ،والحديد ، والإسمنت والخرسانة المسلحة، وسارت بمغاربة القرى والمداشر الى الاسواق وحملت المعلمين الى المركزيات و الفرعيات وسط الأنهار والمرتفعات ،وساهمت بقسط وافر رفقة شاحنات اخرى مثل البيدفورد،والفورد ،في نقل 350 الف متطوع في ملحمة المسيرة الخضراء، وعانت عجلات الشاحنة كثيرا في وقت كانت فيه غالبية طرق المملكة غير معبدة سنوات السبيعنيات والثمانينيات والتسعينيات وما قبل ذلك التاريخ.

 

.في البوادي القصية ينتظر الجميع ” كلاكسون ” البيرلي الصفراء التي لا يحب سائقها ان ينتظر كثيرا ،وعليك ان تكون على الأهبة او ستبقى في المكان في انتظار يوم السوق المقبل الذي يكون ثلاثة مرات في الأسبوع .

 

شقت شاحنة بيرلي الفيافي والسهول بقوة من حديد وصلابة لا تلين،لا يهدأ لها بال إلا إذا كانت الحمولة على ظهرها ،وساهمت في ترحيل أحجار المنازل القديمة بأثمنة زهيدة ،لم تكن تتعدى 20درهما للحمولة،وحملت أخشاب الوديان إلى أفران وحمامات المدن والمراكز و رافقت الكادحين منذ الاستقلال إلى بداية الألفية الثالثة ،قبل أن تترك مكانها للشاحنات الحديثة لتواصل مسار التشييد والبناء وقضاء أغراض الناس .

 

.تلك بضع من ذكريات أسفار الماضي،توقظها في النفس مشاهد ،،شاحنة البيرلي،التي أصبحت مصادفتها قليلة، وحين آراها أتملى بطلعتها البهية،وهي ما زالت تقاوم وتنقل المواشي والمياة في أطراف القرى القصية ، متحررة من كل القيود والوثائق الإدارية،حيث لا يميز هذه المركبات الصامدة الا هدير محركها الذي لا يختلط بغيره.تلك أمة قد خلت،لها ما كسبت ولكم ما كسبتم.

 

هذه الشاحنة فرنسية الصنع..لصاحبها بول بيرلي ،حيث كان لها أصل في مونبوليي بفرنسا وفرع في الدار البيضاء، دشن مباشرة بعد الاستقلال بحضور رئيس الوزراء حينها عبد الله إبراهيم، بعد أن قام رجل أعمال فرنسي يدعى كلوسترمان ببيع ورشته لبول بيرلي، والعودة إلى بلاده.بعد وفاة والد بول بيرلي ماريوس سنة 1949، أشرف بول على إدارة الشركة التي أنشأها والده، وعمل على توسيعها ورفع رقم معاملاتها، وحولها إلى مؤسسة صناعية رائدة في المغرب، وحين عاد إلى بلاده انتخب عمدة لمونبوليي، مستندا إلى علاقاته بسياسيين مغاربة وجزائريين، وبصفة خاصة مع كبار حكام بلدان محيطه التجاري.

 

خلال الحرب العالمية الثانية تعرض مصنع بيرلي في فرنسا لهجوم مدمر جعل الأب يقضي ما تبقى من حياته كئيبا، فقد جاءت الغارة استنادا إلى تقارير تقول إن الجيش الفرنسي يعتمد على شاحنات بيرلي بدرجة كبيرة، أعيد إنشاء المصنع وتحولت أسرة بيرلي إلى قضية سياسية بعد أن جردتها حكومة فيشي من ملكيتها، قبل أن تتم إعادة الأمور إلى نصابها بسبب ضغط الصحافة.

 

وكي لا يظل المصنع تحت رحمة السياسة، قرر بول إنشاء فروع للشركة في دول أخرى كالجزائر عام 1957 والمغرب بعد عام حين حصل على استقلاله، وكان يتواجد في الدار البيضاء وتحديدا بحي البرنوصي. نال المصنع مكانة هامة في الاقتصاد الوطني حيث أصبحت الحكومات تعتمد عليه في المجال اللوجستيكي، خاصة وأن بول بيرلي تمكن من نسج علاقات مع الملك محمد الخامس ومع رؤساء دول أخرى كالحبيب بورقيبة التونسي والهواري بومدين ثم فيديل كاسترو. لكن الرئيس الفرنسي دوغول كان مقربا منه إلى درجة أن البعض وصف بيرلي بالمستشار الاقتصادي للرئيس، خاصة في قضايا تعاون شمال- جنوب.بعد اندماج «بيرلي» مع «سيتروين» أصبح بول رئيسا للشركة الجديدة، وظل يدافع في المحافل العالمية عن المستثمرين الأجانب داعيا إلى تشجيع الدول الكبرى لاقتصاد الدول النامية، وبعد الاندماج مع «رونو» ظل بول محافظا على مكانته في غرفة العمليات، خاصة بعد أن طور الشركة إلى ما يشبه «الهولدينغ»..، بل إن «بيرلي المغرب» ظلت تمد الأسواق الإفريقية بالشاحنات، خاصة السينغال وموريتانيا وليبيا، كما وسعت نشاطها التجاري ليشمل سوقا مهمة بالصين. في عام 1983 قرر بول وضع حد لمساره المهني كمسير شركة واكتفى بالإشراف على مؤسسة الأعمال الاجتماعية والفكرية التي تحمل اسم والده.

 

في عام 2012 توفي بول بمدينة ليون الفرنسية، وحضر جنازته عدد من رجال الأعمال المغاربة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.